الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان» **
{ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين } قوله {قالت يا أيها الملأ}في الكلام حذف؛ والمعنى: فذهب فألقاه إليهم فسمعها وهي تقول}يا أيها الملأ}ثم وصفت الكتاب بالكريم إما لأنه من عند عظيم في نفسها ونفوسهم فعظمته إجلالا لسليمان عليه السلام؛ وهذا قول ابن زيد. وإما أنها أشارت إلى أنه مطبوع عليه بالخاتم، فكرامة الكتاب ختمه؛ وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: لأنه بدأ فيه بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}وقد قال صلى الله عليه وسلم: الوصف بالكريم في الكتاب غاية الوصف؛ ألا ترى قوله كان رسم المتقدمين إذا كتبوا أن يبدؤوا بأنفسهم من فلان إلى فلان، وبذلك جاءت الآثار. و روى الربيع عن أنس قال: ما كان أحد أعظم حرمة من النبي صلى الله عليه وسلم: وكان أصحابه إذا كتبوا بدؤوا بأنفسهم. وقال ابن سيرين قال النبي صلى الله عليه وسلم: وإذا ورد على إنسان كتاب بالتحية أو نحوها ينبغي أن يرد الجواب؛ لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر. وروي عن ابن عباس أنه كان يرى رد الكتاب واجبا كما يرى رد السلام. والله أعلم. اتفقوا على كتب {بسم الله الرحمن الرحيم}في أول الكتب والرسائل، وعلى ختمها؛ لأنه أبعد من الريبة، وعلى هذا جرى الرسم، وبه جاء الأثر عن عمر بن الخطاب أنه قال: أيما كتاب لم يكن مختوما فهو أغلف. وفي الحديث: قوله {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم}{وإنه}بالكسر فيهما أي وإن الكلام، أو إن مبتدأ الكلام {بسم الله الرحمن الرحيم}. وأجاز الفراء {أنه من سليمان وأنه}بفتحهما جميعا على أن يكونا في موضع رفع بدل من الكتاب؛ بمعنى ألقي إلي أنه من سليمان. وأجاز أن يكونا في موضع نصب على حذف الخافض؛ أي لأنه من سليمان ولأنه؛ كأنها عللت كرمه بكونه من سليمان وتصديره بسم الله. وقرأ الأشهب العقيلي ومحمد بن السميقع}ألا تغلوا}بالغين المعجمة، وروي عن وهب بن منبه؛ من غلا يغلو إذا تجاوز وتكبر. وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة. {وأتوني مسلمين}أي منقادين طائعين مؤمنين. { قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون، قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين، قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون } قوله {قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري}الملأ أشراف القوم وقد مضى في سورة البقرة القول فيه. قال ابن عباس: كان معها ألف قيل. وقيل: اثنا عشر ألف قيل مع كل قيل مائة ألف. والقيل الملك دون الملك الأعظم. لأخذت في حسن الأدب مع قومها، ومشاورتهم في أمرها، وأعلمتهم أن ذلك مطرد عندها في كل أمر يعرض، {ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون}فكيف في هذه النازلة الكبرى. فراجعها الملا بما يقر عينها، من إعلامهم إياها بالقوة والبأس، ثم سلموا الأمر إلى نظرها؛ وهذه محاورة حسنة من الجميع. قال قتادة: ذكر لنا أنه كان لها ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا هم أهل مشورتها، كل رجل منهم على عشرة آلاف. في هذه الآية دليل على صحة المشاورة. وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قوله {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين}سلموا الأمر إلى نظرها مع ما أظهروا لها من القوة والبأس والشدة؛ فلما فعلوا ذلك أخبرت عند ذلك بفعل الملوك بالقرى التي يتغلبون عليها. وفي هذا الكلام خوف على قومها، وحيطة واستعظام لأمر سليمان عليه السلام. {وكذلك يفعلون}قيل: هو من قول بلقيس تأكيدا للمعنى الذي أرادته. وقال ابن عباس: هو من قول الله عز وجل معرفا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته بذلك ومخبرا به. وقال وهب: لما قرأت عليهم الكتاب لم تعرف اسم الله، فقالت: ما هذا؟! فقال بعض القوم: ما نظن هذا إلا عفريتا عظيما من الجن يقتدر به هذا الملك على ما يريده؛ فسكتوه. وقال الآخر: أراهم ثلاثة من العفاريت؛ فسكتوه؛ فقال شاب قد علم: يا سيدة الملوك! إن سليمان ملك قد أعطاه ملك السماء ملكا عظيما فهو لا يتكلم بكلمة إلا بدأ فيها بتسمية إلهه، والله اسم مليك السماء، والرحمن الرحيم نعوته؛ فعندها قالت}أفتوني في أمري}فقالوا}نحن أولو قوة}في القتال {وأولو بأس شديد}قوة في الحرب واللقاء {والأمر إليك}ردوا أمرهم إليها لما جربوا على رأيها من البركة {فانظري ماذا تأمرين}فـ {قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة}أهانوا شرفاءها لتستقيم لهم الأمور، فصدق الله قولها. {وكذلك يفعلون}قال ابن الأنباري}وجعلوا أعزة أهلها أذلة}هذا وقف تام؛ فقال الله عز وجل تحقيقا لقولها}وكذلك يفعلون}وشبيه به في سورة الأعراف { وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون } قوله {وإني مرسلة إليهم بهدية}هذا من حسن نظرها وتدبيرها؛ أي إني أجرب هذا الرجل بهدية، وأعطيه فيها نفائس من الأموال، وأغرب عليه بأمور المملكة: فإن كان ملكا دنياويا أرضاه المال وعملنا معه بحسب ذلك، وإن كان نبيا لم يرضه المال ولازمنا في أمر الدين، فينبغي لنا أن نؤمن به ونتبعه على دينه، فبعثت إليه بهدية عظيمة أكثر الناس في تفصيلها، فقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: أرسلت إليه بلبنة من ذهب، فرأت الرسل الحيطان من ذهب فصغر عندهم ما جاؤوا به. وقال مجاهد: أرسلت إليه بمائتي غلام ومائتي جارية. وروي عن ابن عباس: باثنتي عشرة وصيفة مذكرين قد ألبستهم زي الغلمان، واثني عشر غلاما مؤنثين قد ألبستهم زي النساء، وعلى يد الوصائف أطباق مسك وعنبر، وباثنتي عشرة نجيبة تحمل لبن الذهب، وبخرزتين إحداهما غير مثقوبة، والأخرى مثقوبة ثقبا معوجا، وبقدح لا شيء فيه، وبعصا كان يتوارثها ملوك حمير، وأنفذت الهدية مع جماعة من قومها. وقيل: كان الرسول واحدا ولكن كان في صحبته أتباع وخدم. وقيل: أرسلت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذرين عمرو، وضمت إليه رجالا ذوي رأي وعقل، والهدية مائة وصيف ومائة وصيفة، وقد خولف بينهم في اللباس، وقالت للغلمان: إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام فيه تأنيث يشبه كلام النساء، وقالت للجواري: كلمنه بكلام فيه غلظ يشبه كلام الرجال؛ فيقال: إن الهدهد جاء وأخبر سليمان بذلك كله. وقيل: إن الله أخبر سليمان بذلك، فأمر سليمان عليه السلام أن يبسط من موضعه إلى تسع فراسخ بلبنات الذهب والفضة، ثم قال: أي الدواب رأيتم أحسن في البر والبحر؟ قالوا: يا نبي الله رأينا في بحر كذا دواب منقطة مختلفة ألوانها، لها أجنحة وأعراف ونواصي؛ فأمر بها فجاءت فشدت على يمين الميدان وعلى يساره، وعلى لبنات الذهب والفضة، وألقوا لها علوفاتها؛ ثم قال: للجن علي بأولادكم؛ فأقامهم - أحسن ما يكون من الشباب - عن يمين الميدان ويساره. ثم قعد سليمان عليه السلام على كرسيه في مجلسه، ووضع له أربعة آلاف كرسي من ذهب عن يمينه ومثلها عن يساره، وأجلس عليها الأنبياء والعلماء، وأمر الشياطين والجن والإنس أن يصطفوا صفوفا فراسخ، وأمر السباع والوحوش والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه وشماله، فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان، ورأوا الدواب التي لم تر أعينهم أحسن منها تروث على لبنات الذهب والفضة، تقاصرت إليهم أنفسهم، ورموا ما معهم من الهدايا. وفي بعض الروايات: إن سليمان لما أمرهم بفرش الهيدان بلبنات الذهب والفضة أمرهم أن يتركوا على طريقهم موضعا على قدر موضع بساط من الأرض غير مفروش، فلما مروا به خافوا أن يتهموا بذلك فطرحوا ما معهم في ذلك المكان، فلما رأوا الشياطين رأوا منظرا هائلا فظيعا ففزعوا وخافوا، فقالت لهم الشياطين: جوزوا لا بأس عليكم؛ فكانوا يمرون على كردوس كردوس من الجن والإنس والبهائم والطير والسباع والوحوش حتى وقفوا بين يدي سليمان، فنظر إليهم سليمان نظرا حسنا بوجه طلق، وكانت قالت لرسولها: إن نظر إليك نظر مغضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك منظره فأنا أعز منه، وإن رأيت الرجل بشا لطيفا فاعلم أنه نبي مرسل فتفهم قول ورد الجواب، فأخبر الهدهد سليمان بذلك على ما تقدم. وكانت عمدت إلى حقه من ذهب فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة، وخرزة معوجة الثقب، وكتبت كتابا مع رسولها تقول فيه: إن كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف، وأخبر بما في الحقة، وعرفني رأس العصا من أسفلها، واثقب الدرة ثقبا مستويا، وأدخل خيط الخرزة، واملأ القدح ماء من ندى ليس من الأرض ولا من السماء؛ فلما وصل الرسول ووقف بين يدي سليمان أعطاه كتاب الملكة فنظر فيه، وقال: أين الحقة؟ فأتى بها فحركها؛ فأخبره جبريل بما فيها، ثم أخبرهم سليمان. فقال له الرسول: صدقت؛ فاثقب الدرة، وأدخل الخيط في الخرزة؛ فسأل سليمان الجن والإنس عن ثقبها فعجزوا؛ فقال للشياطين: ما الرأي فيها؟ فقالوا: ترسل إلى الأرضة، فجاءت الأرضة فأخذت شعرة في فيها حتى خرجت من الجانب الآخر؛ فقال لها سليمان: ما حاجتك؟ قالت: تصير رزقي في الشجرة؛ فقال لها: لك ذلك. ثم قال سليمان: من لهذه الخرزة يسلكها الخيط؟ فقالت دودة بيضاء: أنا لها يا نبي الله؛ فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر؛ فقال لها سليمان: ما حاجتك؟ قالت تجعل رزقي في الفواكه؛ قال: ذلك لك. ثم ميز بين الغلمان والجواري. قال السدي: أمرهم بالوضوء، فجعل الرجل يحدر الماء على اليد والرجل حدرا، وجعل الجواري يصببن من اليد اليسرى على اليد اليمنى، ومن اليمنى على اليسرى، فميز بينهم بهذا. وقيل: كانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها، ثم تحمله على الأخرى، ثم تضرب به على الوجه؛ والغلام كان يأخذ الماء من الآنية يضرب به في الوجه، والجارية تصب على بطن ساعدها، والغلام على ظهر الساعد، والجارية تصب الماء صبا، والغلام يحدر على يديه؛ فميز بينهم بهذا. و روى يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير قال: أرسلت بلقيس بمائتي وصيفة ووصيف، وقالت: إن كان نبيا فسيعلم الذكور من الإناث، فأمرهم فتوضؤوا؛ فمن توضأ منهم فبدأ بمرفقه قبل كفه قال هو من الإناث، ومن بدأ بكفه قبل مرفقه قال هو من الذكور؛ ثم أرسل العصا إلى الهواء فقال: أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أصلها، وأمر بالخيل فأجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقها، ثم رد سليمان الهدية؛ فروي أنه لما صرف الهدية إليها وأخبرها رسولها بما شاهد؛ قالت لقومها: هذا أمر من السماء. كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثبت عليها ولا يقبل الصدقة، وكذلك كان سليمان عليه السلام وسائر الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. وإنما جعلت بلقيس قبول الهدية أو ردها علامة على ما في نفسها؛ على ما ذكرناه من كون سليمان ملكا أو نبيا؛ لأنه قال لها في كتابه فإن كانت من مشرك ففي الحديث الهدية مندوب إليها، وهي مما تورث المودة وتذهب العداوة؛ وتزرع في الضمير هوى وودا وتكسبهم إذا حضروا جمالا آخر: قوله {فناظرة}أي منتظرة {بم يرجع المرسلون}قال قتادة: يرحمها الله أن كانت لعاقلة في إسلامها وشركها؛ قد علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس. وسقطت الألف في {بم}للفرق بين {ما}الخبرية. وقد يجوز إثباتها؛ قال: { فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون، ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون، قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين، قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين، قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم } قوله {فلما جاء سليمان قال أتمدونني بمال}أي جاء الرسول سليمان بالهديةقال {أتمدونني بمال}. قرأ حمزة ويعقوب والأعمش: بنون واحدة مشددة وياء ثابتة بعدها. الباقون بنونين وهو اختيار أبي عبيد؛ لأنها في كل المصاحف بنونين. وقد روى إسحاق عن نافع أنه كان يقرأ}أتمدونِ}بنون واحدة مخففة بعدها ياء في اللفظ. قال ابن الأنباري: فهذه القراءة يجب فيها إثبات الياء عند الوقف، ليصح لها موافقة هجاء المصحف. والأصل في النون التشديد، فخفف التشديد من ذا الموضع كما خفف من: أشهد أنك عالم؛ وأصله: أنك عالم. وعلى هذا المعنى بنى الذي قرأ والأصل ترهبيني فخفف. ومعنى {أتمدونني}أتزيدونني مالا إلى ما تشاهدونه من أموالي. قوله {فما آتاني الله خير مما آتاكم}أي فما أعطاني من الإسلام والملك والنبوة خير مما أعطاكم، فلا أفرح بالمال. و{آتانِ}وقعت في كل المصاحف بغير ياء. وقرأ أبو عمرو ونافع وحفص}آتانيَ الله}بياء مفتوحة؛ فإذا وقفوا حذفوا. وأما يعقوب فإنه يثبتها في الوقف ويحذف في الوصل لالتقاء الساكنين. الباقون بغير ياء في الحالين. {بل أنتم بهديتكم تفرحون}لأنكم أهل مفاخرة ومكاثرة في الدنيا. قوله {ارجع إليهم}أي قال سليمان للمنذر بن عمرو أمير الوفد؛ ارجع إليهم بهديتهم. {فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها}لام قسم والنون لها لازمة. قال النحاس: وسمعت أبا الحسن بن كيسان يقول: هي لام توكيد وكذا كان عنده أن اللامات كلها ثلاث لا غير؛ لام توكيد؛ ولام أمر، ولام خفض؛ وهذا قول الحذاق من النحويين؛ لأنهم يردون الشيء إلى أصله: وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية. ومعنى {لا قبل لهم بها}أي لا طاقة لهم عليها. {ولنخرجنهم منها}أي من أرضهم وقيل {منها}أي من قرية سبأ. وقد سبق ذكر القرية في قوله قوله {قال عفريت من الجن}كذا قرأ الجمهور وقرأ أبو رجاء وعيسى الثقفي}عِفْرِيَةٌ}ورويت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وفي الحديث: وأنشد الكسائي: قوله {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك}يعني في مجلسه الذي يحكم فيه. {وإني عليه لقوي أمين}أي قوي على حمله. {أمين}على ما فيه. ابن عباس: أمين على فرج المرأة؛ ذكره المهدوي. فقال سليمان أريد أسرع من ذلك؛ فـ {قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل، وكان صديقا يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب. قلت: ما ذكره ابن عطية قال النحاس في معاني القرآن له، وهو قول حسن إن شاء الله تعالى. قال بحر: هو ملك بيده كتاب المقادير، أرسله الله عند قول العفريت. قال السهيلي: وذكر محمد بن الحسن المقرئ أنه ضبة بن أد؛ وهذا لا يصح البتة لأن ضبة هو ابن أد بن طابخة، واسمه عمرو بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد: ومعد كان في مدة بختنصر، وذلك بعد عهد سليمان بدهر طويل؛ فإذا لم يكن معد في عهد سليمان، فكيف ضبة بن أد وهو بعده بخمسة آباء؟! وهذا بين لمن تأمله. ابن لهيعة: هو الخضر عليه السلام. وقال ابن زيد: الذي عنده علم من الكتاب رجل صالح كان في جزيرة من جزائز البحر، خرج ذلك اليوم ينظر من ساكن الأرض؛ وهل يعبد الله أم لا؟ فوجد سليمان، فدعا باسم من أسماء الله تعالى فجيء بالعرش. وقول سابع: إنه رجل من بني إسرائيل اسمه يمليخا كان يعلم اسم الله الأعظم؛ ذكره القشيري. وقال ابن أبي بزة: الرجل الذي كان عنده علم من الكتاب اسمه أسطوم وكان عابدا في بني إسرائيل؛ ذكره الغزنوي. وقال محمد بن المنكدر: إنما هو سليمان عليه السلام؛ أما إن الناس يرون أنه كان معه اسم وليس ذلك كذلك؛ إنما كان رجل من بني إسرائيل عالم آتاه الله علما وفقهاقال {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}قال: هات. قال: أنت نبي الله ابن نبي الله فإن دعوت الله جاءك به، فدعا الله سليمان فجاءه الله بالعرش. وقول ثامن: إنه جبريل عليه السلام؛ قاله النخعي، وروي عن ابن عباس. وعلم الكتاب على هذا علمه بكتب الله المنزلة، أو بما في اللوح المحفوظ. وقيل: علم كتاب سليمان إلى بلقيس. قال ابن عطية: والذي عليه الجمهور من الناس أنه رجل صالح من بني إسرائيل اسمه آصف بن برخيا؛ روي أنه صلى ركعتين، ثم قال لسليمان: يا نبي الله آمدد بصرك فمد بصره نحو اليمن فإذا بالعرش، فما رد سليمان بصره إلا وهو عنده. قال مجاهد: هو إدامة النظر حتى يرتد طرفه خاسئا حسيرا. وقيل: أراد مقدار ما يفتح عينه ثم يطرف، وهو كما تقول: افعل كذا في لحظة عين؛ وهذا أشبه؛ لأنه إن كان الفعل من سليمان فهو معجزة، وإن كان من آصف أو من غيره من أولياء الله فهي كرامة، وكرامة الولي معجزة النبي. قال القشيري: وقد أنكر كرامات الأولياء من قال إن الذي عنده علم من الكتاب هو سليمان، قال للعفريت}أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك}. وعند هؤلاء ما فعل العفريت فليس من المعجزات ولا من الكرامات، فإن الجن يقدرون على مثل هذا. ولا يقطع جوهر في حال واحدة مكانين، بل يتصور ذلك بأن يعدم الله الجوهر في أقصى الشرق ثم يعيده في الحالة الثانية، وهي الحالة التي بعد العدم في أقصى الغرب. أو يعدم الأماكن المتوسطة ثم يعيدها. قال القشيري: ورواه وهب عن مالك. وقد قيل: بل جيء به في الهواء؛ قاله مجاهد. وكان بين سليمان والعرش كما بين الكوفة والحيرة. وقال مالك: كانت باليمن وسليمان عليه السلام بالشام. وفي التفاسير انخرق بعرش بلقيس مكانه الذي هو فيه ثم نبع بين يدي سليمان؛ قال عبدالله بن شداد: وظهر العرش من نفق تحت الأرض؛ فالله أعلم أي ذلك كان. قوله {فلما رآه مستقرا عنده}أي ثابتا عنده. {قال هذا من فضل ربي}أي هذا النصر والتمكين من فضل ربي. {ليبلوني}قال الأخفش: المعنى لينظر {أأشكر أم أكفر}وقال غيره: معنى {ليبلوني}ليتعبدني؛ وهو مجاز. والأصل في الابتلاء الاختبار أي ليختبرني أأشكر نعمته أم أكفرها {ومن شكر فإنما يشكر لنفسه}أي لا يرجع نفع ذلك إلا إلى نفسه، حيث استوجب بشكره تمام النعمة ودوامها والمزيد منها. والشكر قيد النعمة الموجودة، وبه تنال النعمة المفقودة. {ومن كفر}أي عن الشكر {فإن ربي غني كريم}في التفضل. { قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون، فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين، وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين } قوله {قال نكروا لها عرشها}أي غيروه. قيل: جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه. وقيل: غيّر بزيادة أو نقصان. قال الفراء وغيره: إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له: إن في عقلها شيئا فأراد أن يمتحنها. وقيل: خافت الجن أن يتزوج بها سليمان فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبدا، فقالوا لسليمان: إنها ضعيفة العقل، ورجلها كرجل الحمار؛ فقال {نكروا لها عرشها}لنعرف عقلها. وكان لسليمان ناصح من الجن، فقال كيف لي أن أرى قدميها من غير أن أسألها كشفها؟ فقال: أنا أجعل في هذا القصر ماء، وأجعل فوق الماء زجاجا، تظن أنه ماء فترفع ثوبها فترى قدميها؛ فهذا هو الصرح الذي أخبر الله تعالى عنه. قوله {فلما جاءت}يريد بلقيس، {قيل}لها {أهكذا عرشك قالت كأنه هو}شبهته به لأنها خلفته تحت الأغلاق، فلم تقر بذلك ولم تنكر، فعلم سليمان كمال عقلها. قال عكرمة: كانت حكيمة فقالت}كأنه هو}. وقال مقاتل: عرفته ولكن شبهت عليهم كما شبهوا عليها؛ ولو قيل لها: أهذا عرشك لقالت نعم هو؛ وقاله الحسن بن الفضل أيضا. وقيل: أراد سليمان أن يظهر لها أن الجن مسخرون له، وكذلك الشياطين لتعرف أنها نبوة وتؤمن به. وقد قيل هذا في مقابلة تعميتها الأمر في باب الغلمان والجواري. {وأوتينا العلم من قبلها}قيل: هو من قول بلقيس؛ أي أوتينا العلم بصحة نبوة سليمان من قبل هذه الآية في العرش {وكنا مسلمين}منقادين لأمره. وقيل:هو من قول سليمان أي أوتينا العلم بقدرة الله على ما يشاء من قبل هذه المرة. وقيل {وأوتينا العلم}بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها. وقيل: هو من كلام قوم سليمان. والله أعلم. قوله {وصدها ما كانت تعبد من دون الله}الوقف على {من دون الله}حسن؛ والمعنى: منعها من أن تعبد الله ما كانت تعبد من الشمس والقمر فـ {ما}في موضع رفع. النحاس: المعنى؛ أي صدها عبادتها من دون الله وعبادتها إياها عن أن تعلم ما علمناه عن أن تسلم. ويجوز أن يكون {ما}في موضع نصب، ويكون التقدير: وصدها سليمان عما كانت تعبد من دون الله؛ أي حال بينها وبينه. ويجوز أن يكون المعنى: وصدها الله؛ أي منعها الله عن عبادتها غيره فحذفت {عن}وتعدى الفعل. نظيره وزعم أن المعنى عنده نبئت عن عبدالله. {إنها كانت من قوم كافرين}قرأ سعيد بن جبير}أنها}بفتح الهمزة، وهي في موضع نصب بمعنى، لأنها. ويجوز أن يكون بدلا من {ما}فيكون في موضع رفع إن كانت {ما}فاعلة الصد. والكسر على الاستئناف. { قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } قوله {قيل لها ادخلي الصرح}التقدير عند سيبويه: ادخلي إلى الصرح فحذف إلى وعدي الفعل. وأبو العباس يغلطه في هذا؛ قال: لأن دخل يدل على مدخول. وكان الصرح صحنا من زجاج تحته ماء وفيه الحيتان، عمله ليريها ملكا أعظم من ملكها؛ قاله مجاهد. وقال قتادة: كان من قوارير خلفه ماء {حسبته لجة}أي ماء. وقيل: الصرح القصر؛ عن أبي عبيدة. كما قال: وقيل: الصرح الصحن؛ كما يقال: هذه صرحة الدار وقاعتها؛ بمعنى. وحكى أبو عبيدة في الغريب المصنف أن الصرح كل بناء عال مرتفع من الأرض، وأن الممرد الطويل. النحاس: أصل هذا أنه يقال لكل بناء عمل عملا واحدا صرح؛ من قولهم: لبن صريح إذا لم يشبه ماء؛ ومن قولهم: صرح بالأمر، ومنه: عربي صريح. وقيل: عمله ليختبر قول الجن فيها إن أمها من الجن، ورجلها رجل حمار؛ قاله وهب بن منبه. فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد بها الغرق: وتعجبت من كون كرسيه على الماء، ورأت ما هالها، ولم يكن لها بد من امتثال الأمر. {وكشفت عن ساقيها}فإذا هي أحسن الناس ساقا؛ سليمة مما قالت الجن، غير أنها كانت كثيرة الشعر، فلما بلغت هذا الحد، قال لها سليمان بعد أن صرف بصره عنها}إنه صرح ممرد من قوارير}والممرد المحكوك المملس، ومنه الأمرد. وتمرد الرجل إذ أبطأ خروج لحيته بعد إدراكه؛ قاله الفراء. ومنه الشجرة المرداء التي لا ورق عليها. ورملة مرداء إذا كانت لا تنبت. والممرد أيضا المطول، ومنه قيل للحصن مارد. أبو صالح: طويل على هيئة النخلة. ابن شجرة: واسع في طوله وعرضه. قال: أي الدروع الواسعة. وعند ذلك استسلمت بلقيس وأذعنت وأسلمت وأقرت على نفسها بالظلم؛ على ما يأتي. ولما رأى سليمان عليه السلام قدميها قال لناصحه من الشياطين: كيف لي أن أقلع هذا الشعر من غير مضرة بالجسد؟ فدله على عمل النورة، فكانت النورة والحمامات من يومئذ. في روى أن سليمان تزوجها عند ذلك وأسكنها الشام؛ قاله الضحاك. وقال سعيد بن عبدالعزيز في كتاب النقاش: تزوجها وردها إلى ملكها: باليمن، وكان يأتيها على الريح كل شهر مرة؛ فولدت له غلاما سماه داود مات في زمانه. لتعلموا أني تلك التي قد كنت أدعى الدهر بلقيسا
شيدت قصر الملك في حمير قومي وقدما كان مأنوسا
وكنت في ملكي وتدبيره أرغم في الله المعاطيسا
بعلي سليمان النبي الذي قد كان للتوراة دريسا
وسخر الريح له مركبا تهب أحيانا رواميسا
مع ابن داود النبي الذي قدسه الرحمن تقديسا وقال محمد بن إسحاق ووهب بن منبه: لم يتزوجها سليمان، وإنما قال لها: اختاري زوجا؛ فقالت: مثلي لا ينكح وقد كان لي من الملك ما كان. فقال: لا بد في الإسلام من ذلك. فاختارت ذا تبع ملك همدان، فزوجه إياها وردها إلى اليمن، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يطيعه، فبنى له المصانع، ولم يزل أميرا حتى مات سليمان. وقال قوم: لم يرد فيه خبر صحيح لا في أنه تزوجها ولا في أنه زوجها. وهي بلقيس بنت السرح بن الهداهد بن شراحيل بن أدد بن حدر بن السرح بن الحرس بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وكان جدها الهداهد ملكا عظيم الشأن قد ولد له أربعون ولدا كلهم ملوك، وكان ملك أرض اليمن كلها، وكان أبوها السرح يقول لملوك الأطراف: ليس أحد منكم كفؤا لي، وأبى أن يتزوج منهم، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن، فولدت له بلقمة وهي بلقيس، ولم يكن له ولد غيرها. ويقال: إن سبب تزوج أبيها من الجن أنه كان وزيرا لملك عات يغتصب نساء الرعية، وكان الوزير غيورا فلم يتزوج، فصحب مرة في الطريق رجلا لا يعرفه، فقال هل لك من زوجة؟ فقال: لا أتزوج أبدا، فإن ملك بلدنا يغتصب النساء من أزواجهن، فقال لئن تزوجت ابنتي لا يغتصبها أبدا. قال: بل يغتصبها. قال: إنا قوم من الجن لا يقدر علينا؛ فتزوج ابنته فولدت له بلقيس؛ ثم ماتت الأم وابتنت بلقيس قصرا في الصحراء، فتحدث أبوها بحديثها غلطا، فنمى للملك خبرها فقال له: يا فلان تكون عندك هذه البنت الجميلة وأنت لا تأتيني بها، وأنت تعلم حبي للنساء ثم أمر بحبسه، فأرسلت بلقيس إليه إني بين يديك؛ فتجهز للمسير إلى قصرها، فلما هم بالدخول بمن معه أخرجت إليه الجواري من بنات الجن مثل صورة الشمس، وقلن له ألا تستحي ؟ تقول لك سيدتنا أتدخل بهؤلاء الرجال معك على أهلك فأذن لهم بالانصراف ودخل وحده، وأغلقت عليه الباب وقتلته بالنعال، وقطعت رأسه ورمت به إلى عسكره، فأمروها عليهم، فلم تزل كذلك إلى أن بلغ الهدهد خبرها سليمان عليه السلام. وذلك أن سليمان لما نزل في بعض منازله قال الهدهد: إن سليمان قد اشتغل بالنزول، فارتفع نحو السماء فأبصر طول الدنيا وعرضها، فأبصر الدنيا يمينا وشمالا، فرأى بستانا لبلقيس فيه هدهد، وكان اسم ذلك الهدهد عفير، فقال عفير اليمن ليعفور سليمان: من أين أقبلت ؟ وأين تريد ؟ قال: أقبلت من الشام مع صاحبي سليمان بن داود. قال: ومن سليمان ؟ قال: ملك الجن والإنس والشياطين والطير والوحش والريح وكل ما بين السماء والأرض. فمن أين أنت؟ قال: من هذه البلاد؛ ملكها امرأة يقال لها بلقيس، تحت يدها اثنا عشر ألف قيل، تحت يد كل قيل مائة ألف مقاتل من سوى النساء والذراري؛ فانطلق معه ونظر إلى بلقيس وملكها، ورجع إلى سليمان وقت العصر، وكان سليمان قد فقده وقت الصلاة فلم يجده، وكانوا على غير ماء. قال ابن عباس في رواية: وقعت عليه نفحة من الشمس. فقال لوزير الطير: هذا موضع من؟ قال: يا نبي الله هذا موضع الهدهد قال: وأين ذهب؟ قال: لا أدوي أصلح الله الملك. فغضب سليمان وقال قلت: قد مضى القول في هذا، والعقل لا يحيله مع ما جاء من الخبر في ذلك، وإذا نظر في أصل الخلق فأصله الماء على ما تقدم بيانه، ولا بعد في ذلك؛ والله أعلم. وفي التنزيل قوله {قالت رب إني ظلمت نفسي}أي بالشرك الذي كانت عليه؛ قاله ابن شجرة. وقال سفيان: أي بالظن الذي توهمته في سليمان؛ لأنها لما أمرت بدخول الصرح حسبته لجة، وأن سليمان يريد تغريقها فيه. فلما بان لها أنه صرح ممرد من قوارير علمت أنها ظلمت نفسها بذلك الظن. وكسرت {إن}لأنها مبتدأة بعد القول. ومن العرب من يفتحها فيعمل فيها القول. {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين}إذا سكنت {مع}فهي حرف جاء لمعنى بلا اختلاف بين النحويين. وإذا فتحتها ففيها قولان: أحدهما: أنه بمعنى الظرف اسم. والآخر: أنه حرف خافض مبني على الفتح؛ قال النحاس: { ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون، قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون، قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون } قوله {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله}تقدم معناه. {فإذا هم فريقان يختصمون}قال مجاهد: أي مؤمن وكافر؛ قال: والخصومة ما قصه الله تعالى في قوله قوله {قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة}قال مجاهد: بالعذاب قبل الرحمة؛ المعنى: لم تؤخرون الإيمان الذي يجلب إليكم الثواب، وتقدمون الكفر الذي يوجب العقاب؛ فكان الكفار يقولون لفرط الإنكار: ايتنا بالعذاب. وقيل: أي لم تفعلون ما تستحقون به العقاب؛ لا أنهم التمسوا تعجيل العذاب. {لولا تستغفرون الله}أي هلا تتوبون إلى الله من الشرك. {لعلكم ترحمون}لكي ترحموا؛ وقد تقدم. قوله {قالوا اطيرنا بك وبمن معك}أي تشاءمنا. والشؤم النحس. ولا شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة. ومن ظن أن خوار بقرة أو نعيق غراب يرد قضاء، أو يدفع مقدورا فقد جهل. وقال الشاعر: أي يوم يخصه بسعود والمنايا ينزلن في كل يوم
ليس يوم إلا وفيه سعود ونحوس تجري لقوم فقوم وقد كانت العرب أكثر الناس طيرة، وكانت إذا أرادت سفرا نفرت طائرا، فإذا طار يمنة سارت وتيمنت، وإن طار شمالا رجعت وتشاءمت، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال: (أقِروا الطير على وكناتها) على ما تقدم بيانه في المائدة {قال طائركم عند الله}أي مصائبكم. {بل أنتم قوم تفتنون}أي تمتحنون. وقيل: تعذبون بذنوبكم. { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون } قوله {وكان في المدينة}أي في مدينة صالح وهي الحجر {تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون}أي تسعة رجال من أبناء أشرافهم. قال الضحاك. كان هؤلاء التسعة عظماء أهل المدينة، وكانوا يفسدون في الأرض ويأمرون بالفساد، فجلسوا عند صخرة عظيمة فقلبها الله عليهم. وقال عطاء بن أبي رباح: بلغني أنهم كانوا يقرضون الدنانير والدراهم، وذلك من الفساد في الأرض؛ وقاله سعيد بن المسيب. وقيل: فسادهم أنهم يتبعون عورات الناس ولا يسترون عليهم. وقيل: غير هذا. واللازم من الآية ما قاله الضحاك وغيره أنهم كانوا من أوجه القوم وأقناهم وأغناهم، وكانوا أهل كفر ومعاص جمة؛ وجملة أمرهم أنهم يفسدون ولا يصلحون. والرهط اسم للجماعة؛ فكأنهم كانوا رؤساء يتبع كل واحد منهم رهط. والجمع أرهط وأراهط. قال: وهؤلاء المذكورون كانوا أصحاب قُدَار عاقر الناقة؛ ذكره ابن عطية. قلت: واختلف في أسمائهم؛ فقال الغزنوي: وأسماؤهم قدار بن سالف ومصدع وأسلم ودسما وذهيم وذعما وذعيم وقتال وصداق. ابن إسحاق: رأسهم قدار بن سالف ومصدع بن مهرع، فاتبعهم سبعة؛ هم بلع بن ميلع ودعير بن غنم وذؤاب بن مهرج وأربعة لم تعرف أسماؤهم. وذكر الزمخشري أسماءهم عن وهب بن منبه: الهذيل بن عبد رب، غنم بن غنم، رياب بن مهرج، مصدع بن مهرج، عمير بن كردبة، عاصم بن مخرمة، سبيط بن صدقة، سمعان بن صفي، قدار بن سالف؛ وهم الذين سعوا في عقر الناقة، وكانوا عتاة قوم صالح، وكانوا من أبناء أشرافهم. السهيلي: ذكر النقاش التسعة الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وسماهم بأسمائهم، وذلك لا ينضبط برواية؛ غير أني أذكره على وجه الاجتهاد والتخمين، ولكن نذكره على ما وجدناه في كتاب محمد بن حبيب، وهم: مصدع بن دهر. ويقال دهم، وقدار بن سالف، وهريم وصواب ورياب وداب ودعما وهرما ودعين بن عمير. قلت: وقد ذكر الماوردي أسماءهم عن ابن عباس فقال: هم دعما ودعيم وهرما وهريم وداب وصواب ورياب ومسطح وقدار، وكانوا بأرض الحجر وهي أرض الشام. قوله {قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله}يجوز أن يكون {تقاسموا}فعلا مستقبلا وهو أمر؛ أي قال بعضهم لبعض احلفوا. ويجوز أن يكون ماضيا في معنى الحال كأنه قال: قالوا متقاسمين بالله؛ ودليل هذا التأويل قراءة عبدالله {يفسدون في الأرض ولا يصلحون. تقاسموا بالله}وليس فيها {قالوا}. {لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه}قراءة العامة بالنون فيهما واختاره أبو حاتم. وقرأ حمزة والكسائي: بالتاء فيهما، وضم التاء واللام على الخطاب أي أنهم تخاطبوا بذلك؛ واختاره أبو عبيد. وقرأ مجاهد وحميد بالياء فيهما، وضم الياء واللام على الخبر. والبيات مباغتة العدو ليلا. ومعنى {لوليه}أي لرهط صالح الذي له ولاية الدم. {ما شهدنا مهلك أهله}أي ما حضرنا، ولا ندري من قتله وقتل أهله. والمهلك بمعنى الإهلاك؛ ويجوز أن يكون الموضع. وقرأ عاصم والسلمي: بفتح الميم واللام أي الهلاك؛ يقال: ضرب يضرب مضربا أي ضربا. وقرأ المفضل وأبو بكر: بفتح الميم وجر اللام فيكون اسم المكان كالمجلس لموضع الجلوس؛ ويجوز أن يكون مصدرا؛ كقوله { ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين، فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون، وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون } قوله {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون}مكرهم ما روي أن هؤلاء التسعة لما كان في صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة، وقد أخبرهم صالح بمجيء العذاب، اتفقوا وتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلا ويقتلوه وأهله المختصين به؛ قالوا: فإذا كان كاذبا في وعيده أوقعنا به ما يستحق، وإن كان صادقا كنا عجلناه قبلنا، وشفينا نفوسنا؛ قال مجاهد وغيره. قال ابن عباس: أرسل الله تعالى الملائكة تلك الليلة، فامتلأت بهم دار صالح، فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم، فقتلهم الملائكة رضخا بالحجارة فيرون الحجارة ولا يرون من يرميها. وقال قتادة: خرجوا مسرعين إلى صالح، فسلط عليهم ملك بيده صخرة فقتلهم. وقال السدي: نزلوا على جرف من الأرض، فانهار بهم فأهلكهم الله تحته. وقيل: اختفوا في غار قريب من دار صالح، فانحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعا، فهذا ما كان من مكرهم. ومكر الله مجازاتهم على ذلك. {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}أي بالصيحة التي أهلكتهم. وقد قيل: إن هلاك الكل كان بصيحة جبريل. والأظهر أن التسعة هلكوا بعذاب مفرد؛ ثم هلك الباقون بالصيحة والدمدمة. وكان الأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وحمزة والكسائي يقرؤون}أنا}بالفتح؛ وقال ابن الأنباري: فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على {عاقبة مكرهم}لأن {أنا دمرناهم}خبر كان. ويجوز أن تجعلها في موضع رفع على الإتباع للعاقبة. ويجوز أن تجعلها في موضع نصب من قول الفراء، وخفض من قول الكسائي على معنى: بأنا دمرناهم ولأنا دمرناهم. ويجوز أن تجعلها في موضع نصب على الإتباع لموضع {كيف}فمن هذه المذاهب لا يحسن الوقف على {مكرهم}. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو}إنا دمرناهم}بكسر الألف على الاستئناف؛ فعلى هذا المذهب يحسن الوقف على {مكرهم}. قال النحاس: ويجوز أن تنصب {عاقبة}على خبر {كان}ويكون {إنا}في موضع رفع على أنها اسم {كان}. ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ تبيينا للعاقبة؛ والتقدير: هي إنا دمرناهم؛ قال أبو حاتم: وفي حرف أُبَي {أن دمرناهم}تصديقا لفتحها. قوله {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا}قراءة العامة بالنصب على الحال عند الفراء والنحاس؛ أي خالية عن أهلها خرابا ليس بها ساكن. وقال الكسائي وأبو عبيدة}خاوية}نصب على القطع؛ مجازه: فتلك بيوتهم الخاوية، فلما قطع منها الألف واللام نصب على الحال؛ كقوله { ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون، أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون، فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين، وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين } قوله {ولوطا}أي وأرسلنا لوطا، أو اذكر لوطا {إذ قال لقومه}وهم أهل سدوم. وقال لقومه}أتأتون الفاحشة}الفعلة القبيحة الشنيعة. {وأنتم تبصرون}أنها فاحشة، وذلك أعظم لذنوبكم. وقيل: يأتي بعضكم بعضا وأنتم تنظرون إليه. وكانوا لا يستترون عتوا منهم وتمردا. {أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء}أعاد ذكرها لفرط قبحها وشنعتها. {بل أنتم قوم تجهلون}إما أمر التحريم أو العقوبة. واختيار الخليل وسيبويه تخفيف الهمزة الثانية من {أئنكم}فأما الخط فالسبيل فيه أن يكتب بألفين على الوجوه كلها؛ لأنها همزة مبتدأة دخلت عليها ألف الاستفهام. قوله {فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون}أي عن أدبار الرجال. يقولون ذلك استهزاء منهم؛ قاله مجاهد. وقال قتادة: عابوهم والله بغير عيب بأنهم يتطهرون من أعمال السوء. {فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين}وقرأ عاصم}قدرنا}مخففا والمعنى واحد. يقال قد قدرت الشيء قدرا وقدرا وقدرته. {وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين}أي من أنذر فلم يقبل الإنذار. وقد مضى بيانه. { قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون، أم من خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون، أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون } قوله {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى}قال الفراء: قال أهل المعاني: قيل للوط {قل الحمد لله}على هلاكهم. وخالف جماعة من العلماء الفراء في هذا وقالوا: هو مخاطبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي قل الحمد لله على هلاك كفار الأمم الخالية. قال النحاس: وهذا أولى، لأن القرآن منزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما فيه فهو مخاطب به عليه السلام إلا ما لم يصح معناه إلا لغيره. وقيل: المعنى؛ أي {قل}يا محمد {الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى}يعني أمته عليه السلام. قال الكلبي: اصطفاهم الله بمعرفته وطاعته. وقال ابن عباس وسفيان: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شيء وحكمته، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده. وفيه تعليم حسن، وتوقيف على أدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين، وإصغائهم إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع. ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب، فحمدوا الله وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد، وقبل كل عظة وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني، وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن. قوله {الذين اصطفى}اختار؛ أي لرسالته وهم الأنبياء عليهم السلام؛ دليله قوله فالمعنى فالذي فيه الشر منكما للذي فيه الخير الفداء. ولا يجوز أن يكون بمعنى من لأنك إذا قلت: فلان شر من فلان ففي كل واحد منهما شر. وقيل: المعنى؛ الخير في هذا أم في هذا الذي تشركونه في العبادة! وحكى سيبويه: السعادة أحب إليك أم الشقاء؛ وهو يعلم أن السعادة أحب إليه. وقيل: هو على بابه من التفضيل، والمعنى: آلله خير أم ما تشركون؛ أي أثوابه خير أم عقاب ما تشركون. وقيل: قال لهم ذلك؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خير فخاطبهم الله عز وجل على اعتقادهم. وقيل: اللفظ لفظ الاستفهام ومعناه الخبر. وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب}يشركون}بياء على الخبر. الباقون بالتاء على الخطاب، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية يقول: قوله {أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء}قال أبو حاتم: تقديره؛ آلهتكم خير أم من خلق السماوات والأرض؛ وقد تقدم. ومعناه: قدر على خلقهن. وقيل: المعنى؛ أعبادة ما تعبدون من أوثانكم خير أم عبادة من خلق السماوات والأرض؟ فهو مردود على ما قبله من المعنى؛ وفيه معنى التوبيخ لهم، والتنبيه على قدرة الله عز وجل وعجز آلهتهم. {فأنبتنا به حدائق ذات بهجة}الحديقة البستان الذي عليه حائط. والبهجة المنظر الحسن. قال الفراء: الحديقة البستان المحظر عليه حائط، وإن لم يكن عليه حائط فهو البستان وليس بحديقة. وقال قتادة وعكرمة: الحدائق النخل ذات بهجة، والبهجة الزينة والحسن؛ يبهج به من رآه. {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها}{ما}للنفي. ومعناه الحظر والمنع من فعل هذا؛ أي ما كان للبشر، ولا يتهيأ لهم، ولا يقع تحت قدرتهم، أن ينبتوا شجرها؛ إذ هم عجزة عن مثلها، لأن ذلك إخراج الشيء من العدم إلى الوجود. قلت: وقد يستدل من هذا على منع تصوير شيء سواء كان له روح أم لم يكن؛ وهو قول مجاهد. ويعضده قوله {أمن جعل الأرض قرارا}أي مستقرا. {وجعل خلالها أنهارا}أي وسطها مثل { أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون، أم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون، أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } قوله {أمن يجيب المضطر إذا دعاه}قال ابن عباس: هو ذو الضرورة المجهود. وقال السدي: الذي لا حول له ولا قوة. وقال ذو النون: هو الذي قطع العلائق عما دون الله. وقال أبو جعفر وأبو عثمان النيسابوري: هو المفلس. وقال سهل بن عبدالله: هو الذي إذا رفع يديه إلى الله داعيا لم يكن له وسيلة من طاعة قدمها. وجاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر؛ قال: إذا فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه. قال الشاعر: ورب أخ سدت عليه وجوهه أصاب لها لما دعا الله مخرجا ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه؛ والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجاء ينشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عما سواه؛ وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمة، وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر؛ كما قال قوله {ويكشف السوء}أي الضر. وقال الكلبي: الجور. {ويجعلكم خلفاء الأرض}أي سكانها يهلك قوما وينشئ آخرين. وفي كتاب النقاش: أي ويجعل أولادكم خلفا منكم. وقال الكلبي: خلفا من الكفار ينزلون أرضهم، وطاعة الله بعد كفرهم. {أإله مع الله}على جهة التوبيخ؛ كأنه قال أمع الله ويلكم إله؛ فـ {إله}مرفوع بـ {مع}. ويجوز أن يكون مرفوعا بإضمار أإله مع الله يفعل ذلك فتعبدوه. والوقف على {مع الله}حسن. {قليلا ما تتذكرون}قرأ أبو عمرو وهشام ويعقوب}يذَّكَّرون}بالياء على الخبر، كقول قوله {أمن يهديكم}أي يرشدكم الطريق {في ظلمات البر والبحر}إذا سافرتم إلى البلاد التي تتوجهون إليها بالليل والنهار. وقيل: وجعل مفاوز البر التي لا أعلام لها، ولجج البحار كأنها ظلمات؛ لأنه ليس لها علم يهتدى به. {ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}أي قدام المطر باتفاق أهل التأويل. {أإله مع الله}يفعل ذلك ويعينه عليه. {تعالى الله عما يشركون}من دونه. قوله {أمن يبدأ الخلق ثم يعيده}كانوا يقرون أنه الخالق الرازق فألزمهم الإعادة؛ أي إذا قدر على الابتداء فمن ضرورته القدرة على الإعادة، وهو أهون عليه. {أإله مع الله}يخلق ويرزق ويبدئ ويعيد {قل هاتوا برهانكم}أي حجتكم أن لي شريكا، أوحجتكم في أنه صنع أحد شيئا من هذه الأشياء غير الله {إن كنتم صادقين}.
|